سورة ق - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


قوله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ} وهو تبع الحميري، واسمه أسعد أبو كرب، قال قتادة: ذم الله تعالى قوم تبع ولم يذمه، ذكرنا قصته في سورة الدخان.
{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} أي: كل من هؤلاء المذكورين كذب الرسل، {فَحَقَّ وَعِيدِ} وجب لهم عذابي. ثم أنزل جوابًا لقولهم {ذلك رجع بعيد}: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأوَّلِ} يعني: أعجزنا حين خلقناهم أولا فنعيا بالإعادة. وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث، ويقال لكل من عجز عن شيء: عيي به. {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} أي: في شك، {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهو البعث.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} يحدث به قلبه ولا يخفى علينا سرائره وضمائره، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} أعلم به، {مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضًا، ولا يحجب علم الله شيء، و{حبل الوريد}: عرق العنق، وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين، يتفرق في البدن، والحبل هو الوريد، فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين.
{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} أي: يتلقى ويأخذ الملكان الموكلان بالإنسان عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ} أي أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات. {قَعِيدٌ} أي: قاعد، ولم يقل: قعيدان، لأنه أراد: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فاكتفى بأحدهما عن الآخر، هذا قول أهل البصرة. وقال أهل الكوفة: أراد: قعودًا، كالرسول فجعل للاثنين والجمع، كما قال الله تعالى في الاثنين: {فقولا إنَّا رسول ربِّ العالمين} [الشعراء- 16]، وقيل: أراد بالقعيد الملازم الذي لا يبرح، لا القاعد الذي هو ضد القائم. وقال مجاهد: القعيد الرصيد.


{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} ما يتكلم من كلام فيلفظه أي: يرميه من فيه، {إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} حافظ، {عَتِيدٌ} حاضر أينما كان. قال الحسن: إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين: عند غائطه وعند جماعه.
وقال مجاهد: يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه. وقال عكرمة: لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يؤزر فيه.
وقال الضحاك: مجلسهما تحت الضرس على الحنك، ومثله عن الحسن، وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا الفضل بن العباس بن مهران، حدثنا طالوت، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا جعفر بن الزبير عن القاسم بن محمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرًا؛ وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر».
{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله، {بِالْحَقِّ} أي بحقيقة الموت، وقيل: بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعيان. وقيل: بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة. ويقال لمن جاءته سكرة الموت: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} تميل، قال الحسن: تهرب وقال ابن عباس: تكره، وأصل الحيد الميل، يقال: حدتُ عن الشيء أحِيدُ حَيْدًا ومَحِيْدًا: إذا ملتُ عنه.


{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} يعني نفخة البعث، {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} أي: ذلك اليوم يوم الوعيد الذي وعده الله للكفار أن يعذبهم فيه. قال مقاتل: يعني بالوعيد العذاب، أي: يوم وقوع الوعيد.
{وَجَاءَتْ} ذلك اليوم، {كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ} يسوقها إلى المحشر {وَشَهِيدٌ} يشهد عليها بما عملت، قال الضحاك: السائق من الملائكة، والشاهد من أنفسهم الأيدي والأرجل، وهي رواية العوفي عن ابن عباس. وقال الآخرون: هما جميعًا من الملائكة، فيقول الله: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا}. {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} اليوم في الدنيا، {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك، {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} نافذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا. وروي عن مجاهد قال: يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك.
{وَقَالَ قَرِينُهُ} الملك الموكل به، {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} مُعَدٌّ محضر، وقيل: {ما} بمعنى من، قال مجاهد: يقول هذا الذي وكلتني به من ابن آدم حاضر عندي قد أحضرته وأحضرت ديوان أعماله، فيقول الله عز وجل لقرينه: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} هذا خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب، تقول: ويحك ويلك ارحلاها وازجراها وخذاها وأطلقاها، للواحد، قال الفراء: وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ومنه قولهم في الشعر للواحد: خليليَّ. وقال الزجَّاج: هذا أمر للسائق والشهيد، وقيل: للمتلقيين. {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} عاص معرض عن الحق. قال عكرمة ومجاهد: مجانب للحق معاند لله.

1 | 2 | 3 | 4